الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص تعد عملية التنشئة الاجتماعية من أهم العمليات تأثيراً على الأبناء في مختلف مراحلهم العمرية، لما لها من دور أساسي في تشكيل شخصياتهم وتكاملها، وهي تعد إحدى عمليات التعلم الاجتماعي التي عن طريقها يكتسب الأبناء العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة في بيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها، وعملية التنشئة الاجتماعية تتم من خلال وسائط متعددة، وتعد الأسرة أهم هذه الوسائط، فالأبناء يتلقون عنها مختلف المهارات والمعارف الأولية كما أنها تعد بمثابة الرقيب على وسائط التنشئة الأخرى.وتعد الأسرة من أهم وسائل التنشئة الاجتماعية ومن اقوى الجماعات تأثيراً على سلوك الفرد، فمن خلال الأسرة يتعلم الأبناء أن يغيروا من أنماط سلوكهم بما يتلاءم مع ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع الذى يعيشون فيه، وتنمو هذه الأنماط مع نموهم في كل المراحل العمرية التالية، ولا يقتصر دور الأسرة على ذلك بل ان لها وظائف عديدة هامة تقوم بها تجاه أبنائها فهي التي توفر لهم الأمن والأمان والاستقرار وتقوم بتشجيعهم على العطاء والإنجاز والاستقلال، كما أنه بين أحضان الأسرة يتعلم الابن لغتها ويتعلم منها عاداتها وتقاليدها، لذا فالأسرة الصغيرة التي تتكون من الأب والأم وأبناءهم تعد المدرسة الأولى والأساسية لكل ابن حيث يتعلم منها الكثير والذي يبقى معه مدى الحياة، وعن طريق الأسرة يكتسب قيمه الاجتماعية والدينية.إن الأسرة المكونة من الأب والأم لكل منهم دوره الهام في عملية التنشئة الاجتماعية لتكوين شخصية الطفل الاجتماعية التي تتفاعل بانسجام كامل مع المجتمع الذي يعيش في داخله، وعندما نذكر الأب والأم معًا فنحن نؤكد على أهمية تكامل دوريهما في عملية التنشئة من أجل تحقيق الاتزان النفسي والاجتماعي للأبناء الذين يستمدونه من توازن الأم والأب معا، فدورهما يتعدى بكثير توفيرهم الحاجات المادية لأبنائهم من مأكل وملبس فالأصل هنا هو العمل على تكوين بناء نفسى سليم لهم من خلال منحهم الأمن والأمان والرابطة الوجدانية التي تحفظ ذلك، ولن يتحقق ذلك إلا في إطار تماسك واستقرار هذه الأسرة أو الوسط العائلي الأول للأبناء. ويلعب الأب دوراً هاماً في تنشئة الأبناء بجانب دور الأم فهو بمثابة القدوة للأبناء ومثل أعلى وهو النموذج الذى يرغب الأبناء في تقليده في سلوكه ومبادئه وطريقة حكمه على الأمور، فضلاً عن كونه الموجه الأول لأفكارهم وسلوكهم. وتشير العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية إلى أهمية دور الأب في حياة أبنائه والتي لا يمكن ان تقتصر على المسؤولية المادية، فوجود الأب في حياة أبنائه ركيزة مهمة من ركائز تطورهم ونموهم الاجتماعي والنفسي وقد يترك غياب الأب أثاراً نفسية صعبة الشفاء عند أبنائه بالإضافة لما يحمله من ضغوط على كاهل الزوجة التي يصبح عليها القيام بدوري الأب والأم سوياً إضافة إلى افتقادها الدعم والإحساس بالشراكة. وللأب دور لا يمكن تجاهله أو إسناده للأم وخاصة في”” مرحلة المراهقة ”” التي تتسم بخصوصية معينة فمسؤولية تنشئة الأبناء تقع على عاتق كلا الوالدين، ولكن يعد حضور الأب بين أبنائه أمراً مهماً لإشباع الحاجات النفسية لنموهم كتوفير الأمن والطمأنينة والتقدير الإيجابي للذات والشعور بالاستقرار داخل الأسرة وخصوصاً في ””مرحلة المراهقة”” التي يكتسب فيها الأبناء مهاراتهم الجسدية والعقلية والنفسية والاجتماعية بغية تنظيم علاقاتهم بذواتهم وبالعالم المحيط بهم فهم بحاجة إلى تكوين صورة واضحة عن الأب لإشباع حاجاتهم النفسية والاجتماعية التي تسهم في بناء شخصياتهم حيث يكون المراهق بحاجة ماسة إلى وجود والده بجانبه في إطار علاقة تتسم بالود والألفة والاحترام والتفاهم والتفهم لتحقيق حاجاته النفسية والاجتماعية كالأمن والتقدير الإيجابي للذات وتحقيق الاستقلال بصورة تدريجية بحيث يكلفه ببعض المسؤوليات، ويمنحه بعض الصلاحيات المناسبة لمرحلة نموه ويسمح له بإبداء رأيه ويشاركه في اتخاذ القرارات بصورة منطقية ويوجهه لاستخدام السلوكيات المناسبة وذلك لتحقيق الحاجة الأساسية للأبناء في هذه المرحلة الحرجة من مراحل النمو وهى إحساسه بالرجولة.ومما لاشك فيه أن وجود أي عامل من عوامل تفكك الأسرة يؤثر على أسلوب تعامل الوالدين مع بعضهما ومع كل منهما إزاء الطفل أو المراهق مما يؤثر بالسلب أو بالإيجاب في شخصيته، حيث يظل تأثير الوالدين مستمراً على الطفل حتى سن المراهقة، ولغياب الأب تأثيرات سلبية لا يمكن تجاهلها فالمراهق أكثر استجابة للضغوط التي يتعرض لها من أقرانه، فقد يتعاطى المراهق التدخين أو المخدرات أو يتعرض لانحراف سلوكي أو فكري. إن غياب الرعاية الأسرية أو التهاون فيها يزيد من احتمال وقوع الأبناء في مثل هذه الأخطاء كما أن غياب الحضور الأبوي يجعل الأبناء ينشدون المحبة والأمن لدى أقرانهم ويتبنون سلوكهم وقيمهم. إن ابتعاد الأب عن تربية الأبناء خصوصاً المراهقات يحدث خللاً في المنهج التربوي الأسرى ونقصاً في العملية التربوية لا تستطيع الأم مهما أوتيت من قوة أن تدعم هذا الخلل وتسد الفجوة التي أحدثها الوالد في المنهج التربوي للأسرة. إن رفع الأب يده عن تربية أبنائه يؤدى إلى وقوع المسئولية على عاتق الأم التي تجمع بين المتناقضات ما بين دور الأب بما يتضمنه من صرامة وقسوة وبين كونها مصدراً للعطف والحنان مما ينعكس سلباً على الأولاد، ولا بد من التنويه إلى أن تملص الرجل من مسئولية تربية الأولاد في نهاية المطاف تؤدى إلى خفض نفوذه ليس فقط في الخلية الأولية في المجتمع فحسب بل وإنه يصبح المدان في كل شيء. إن كثيراً من الآباء لا يعرف دوره الجوهري في أن يكون قريباً من أولاده ويعتبر أن واجبه ينحصر في تأمين حاجات الآسرة المادية فقط مركزين جل اهتماماتهم على هذا الموضوع، إن تنحيهم عن القيام بأدوارهم التربوية يؤدى إلى تكوين الطبع الرجولي عند المراهقات والخنوثة عند الأبناء.وبناء على ما تقدم يمكن القول أن غياب الأباء مشكلة حقيقية، فالرعاية الأسرية المستندة إلى وجود الأب الفعـال والمؤثر داخل الأسرة، تقي الأبناء من الانحراف والسلوك الخاطئ، وتحد من ظهور مشكلات كثـيرة كالفشل الدراسي والتعلق بالصحبة السيئة والإحساس بالحرمان العاطفي، وخصوصا في مرحلة المراهقة والشباب، حين يكون من الصعب على الأم وحدها أن تتحمل مسؤولية تربية الأبناء وخصوصا في زمن الانفتاح الثقافي. وسينظر الأبناء إلى أن وظيفة الأب الأساسية هي جمع الأموال والإنفاق فقط، مما يدفع بعضهم إلى الانحراف والضياع، ومن ثم فلابد هنا أن نشير ونؤكد على أهمية إلى أهمية تهيئة الآباء نفسيا وماديا، وزيادة وعيهم لكيفية ممارسة دورهم بفاعلية وإيجابية وثقة في مختلف مراحل نمو الأبناء. وتهدف الدراسة إلى تحقيق هدف أساسي وهو التعرف على الدور الاجتماعي للأب داخل الأسرة عامة في التنشئة الاجتماعية للأبناء خاصة، وإلقاء الضوء على مدى تأثير غياب الأب عن الأسرة والمشكلات التي تواجهها، ووضع مقترحات وبدائل للحد من المشكلات التي تواجه الأبناء والأسرة في حالة غياب الأب، ومن أجل تحقيق هذه الأهداف اعتمدت الدراسة على أداة الاستبيان تم تطبيقها على على عينة من سكان قرية دميرة يقدر عددها بــ 377 مبحوث باختلاف فئاتهم الاجتماعية وأوضاعهم الاقتصادية حتى يتم تكوين صورة شاملة وممثلة لمجتمع البحث بجميع فئاته، كما طبقت أداة دراسة الحالة على عدد (4) من أبناء الأسر بالقرية (ذكر- أنثى) في سن المراهقة والذين يتراوح سنهم ما بين (14-16 سنة)، وتم اختيارهم لغياب الأب بسبب (الطلاق - السفر - الهجر الوفاة). وقد خلصت الدراسة إلى العديد من النتائج ومن أبرزها: •اتضح من نتائج الدراسة الميدانية أن دور الأب في الأسرة مهم جدا وذلك بناء على استجابات غالبية عينة الدراسة، وذلك من خلال: مساهمته في تربية الأبناء ورعايتهم، ومصدر الحماية الأمان والاستقرار للأم والأطفال، وأمن وطمأنينة لأفراد الأسرة، ومسئول عن الإنفاق وتوفير الحماية لزوجته وأبناءه. تبين من نتائج الدراسة الميدانية دور الأب في مرحلة المراهقة، ويتمثل ذلك في تعويد الابن على تحمل مسؤوليات الحياة الأسرية في مراحل العمر مبكرة، واستخدم أسلوب ومهارة الإقناع والمناقشة مع الابن، ومساعدة الأبناء على مقاومة الضغوطات والمشاكل التي قد يمرون بها، وتوجيه الأب للأبناء عبر النصح والإرشاد وتقويم الأخطاء، وأخيراً تعليم الابن على تقبل أوجه القصور في السلوك والحد من شعور الابن بالعدائية.كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن تأثير غياب الأب على الزوجة والأبناء حيث يؤدي إلى: تغير في شكل العلاقة بين الزوجين سواء العاطفية أو المالية أو الخاصة، ويصيب البناء الاجتماعي للأسرة باختلالات عميقة، وسوء العلاقة بن الأم والأبناء، وافتقاد الأبناء للإشباع النفسي والعاطفي، وضعف السلطة الأبوية وزيادة العبء الملقى على عاتق الزوجة، والاضطرابات الشخصية لدى الأبناء مع ما يصاحبها من ميل إلى الانطواء أو العنف، وأخيراً ضعف انضباط الأبناء لعدم قدرة الأم وحدها على ضبط سلوكهم.أشارت نتائج الدراسة الميدانية إلى أبرز أنماط الحالات التي يغيب فيها الأب عن الأسرة، وجاء الأب المسافر في الترتيب الأول، ثم الأب المطلق في الترتيب الثاني، والأب المتوفى في الترتيب الثالث، والأب المحتجز في مستشفى في الترتيب الرابع، والأب الهاجر لأسرته في الترتيب الخامس، والأب السجين في الترتيب السادس، والأب المفقود في الترتيب السابع، وأخيراً مجهول النسب في الترتيب الثامن.•اتضح من نتائج الدراسة الميدانية الآثار الاجتماعية السلبية التي يتعرض لها الابن في غياب الأب، ومن بين هذه الآثار: أنه أكثر اعتماداً على غيره وأقل اندماجاً في الألعاب أو الرياضيات الجسمية، ويواجه صعوبة كبيرة في عملية تطور سلوكه الاجتماعي العام، ويميل إلى العزلة ويشعر بالنقص دائماً، وأقل استقلالية وأضعف قدرة ذاتية على ضبط سلوكه الفردي، ويفتقر إلى القدرة على اكتساب المهارات الحياتية، ويحرم من فرص المباشرة لتنمية سلوكه الاجتماعي وصقله.•أسفرت نتائج الدراسة الميدانية عن اهم المشكلات اللي تواجهها الأم مع فقدان الأسرة لعائلها من الناحية الاقتصادية، ومن بين هذه المشكلات: نقص الخبرة في التعامل مع المؤسسات المالية، والحصول على دخل بسيط لا يكفي احتياجات الأسرة، والخروج للعمل مع إهمال للنواحي الأسرية، وانخفاض مستوى التعليم وارتفاع نسبة الأمية بين النساء.•كشفت نتائج الدراسة الميدانية عن مقترحات الحد من التأثير السلبي لغياب الأب على الأسرة والأبناء، وفي مقدمتها: سن قوانين وعقوبات واضحة في حالة غياب الأب بسبب الإهمال أو التقصير، والتغير من النظرة الدونية للمرأة العائل الوحيد للأسرة، والاستعانة بوسائل الإعلام في تناول مشكلة غياب الأسرة وآثارها السلبية على الأبناء، وتوعوية الأزواج بأضرار الغياب عن الأسرة على الأبناء والأسرة لفترات طويلة، وعقد دورات للنساء المُعيلات بالتعاون مع متخصصين للتغلب على مشكلة غياب الأب، وأخيراً وتنمية وعي المقبلين على الزواج بكيفية التعامل الفعال مع المشكلات الأسرية الطارئة.كما خرجت الدراسة بالعديد من التوصيات ومن أهمها:•تنمية وعي المقبلين على الزواج بكيفية التعامل الفعال مع المشكلات الأسرية الطارئة.•سن قوانين وعقوبات واضحة في حالة غياب الأب بسبب الإهمال أو التقصير•توعية الأزواج بأضرار الغياب عن الأسرة على الأبناء والأسرة لفترات طويلة.عقد دورات للنساء المُعيلات بالتعاون مع متخصصين للتغلب على مشكلة غياب الأب.إشراك المجتمع المدني ومنها الجمعيات في الاهتمام ودعم فئة غائبي الأب. |