![]() | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص فإن الفقه في الدين دليل على خيرية العبد عند ربه ، وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث معاوية ـــــ رضي الله عنه ــــ « مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُّ فِي الدِّينِ » ( ) ، و كما أن الطالب يشرف بما يطلبه من علم ، كذلك يشرف بمن يجالسه و يذكر أقواله و يدرسها و ينقلها ، و خاصة إذا كان من يذكر قولهم هم التابعون الذين مدحهم رب العالمين بعد مدح أصحاب النبي الأمين صلى الله عليه وسلم فقال تعالى ﴿ وَٱلسَّٰبِقُونَ ٱلۡأَوَّلُونَ مِنَ ٱلۡمُهَٰجِرِينَ وَٱلۡأَنصَارِ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحۡسَٰنٖ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُ وَأَعَدَّ لَهُمۡ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي تَحۡتَهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۚ ذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ ﴾ ( ) . و مدحهم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال « خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ » ( ) ، و لما لا يمدحون و هم مَن جالسوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم و حملوا عنهم الكتاب و السنة و تعلموا على أيديهم ، ثم بلَّغوا من بعدهم ، لكن كما هي سنة الله في خلقه وُجِدَ فيهم الاختلاف ، فاختلفوا في بعض المسائل الفقهية وشذ بعضهم برأيه ، بسبب تأويل أو خفاء دليل ، أو نحو ذلك ، و لكنهم يعرفون قدر بعضهم ، فلذا نرى مع خلافهم في بعض مسائل الفقه لا يقدح بعضهم في بعض ، و لا يجرح بعضهم بعضا ، فللمجتهد المصيب أجران ، و للمجتهد المخطئ أجر ، و كلهم مثاب ، و فضل الله عظيم ؛ لذا جاء هذا البحث ليقف على ( الأقوال الفقهية الشاذة المنسوبة لكبار التابعين وتابعيهم من عام [300:11] هـ ) ، فيحقق نسبة هذه الأقوال لقائليها ، ويبين المقبول منها من المردود . أولاً أهمية الموضوع : وتتمثل أهمية هذا الموضوع فيما يأتي : 1ـ انتشار كثير من الآراء الفقهية الشاذة في واقعنا المعاصر ، وحجة أصحابها : اتباعُهم فيها لأقوال التابعين من أهل القرون المفضلة . 2ـ ظهور مروجين ودعاة لهذه الآراء ينافحون عنها ويدعون للعمل بها . 3ـ دعوة المتقدمين لدراسة الاختلاف الفقهي ، وبيان أن الشاذ يجب إنكاره ، ومن ذلك ما جاء عن أبي العباس ابن تيمية أنه قال : ( فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعاً قديماً وجب إنكاره وفاقاً ) ( ) . 4ـ حاجة الناس إلى بيان خطأ الآراء الشاذة وعدم جواز الاحتجاج بها إذا ثبت شذوذها. 5ـ الوقوف على حقيقة القول الشاذ وضابطه وبيان نسبته إلى صاحبه . 6ـ توجيه الحكم على هذه الآراء وما يصح العمل به منها و ما لا يصح . 7ـ إنصاف التابعين ؛ فلعل ما نسب إليهم من أقوال تظهر برائتهم من بعضها . 8 ـ الوصول للحق ونشره ، ودحض الباطل وبيان خطأه . 9ـ الرد على حجة صاحب الرأي الشاذ بحجة أصحاب الرأي الصحيح . 10ـ أن أبواب الفقه لا تخلوا من أقوال التابعين وبعضها فيه شذوذ مما يدل على خطورة الأمر والحاجة لبيانه . ثانياً أسباب اختيار الموضوع : دفعني إلى اختيار هذا الموضوع عدة أسباب من أهمها : 1ـ ظهور بعض المنتسبين للعلم على وسائل الإعلام يدعون الناس للعمل بأقوال شاذة ويفتون الناس بها . 2ـ تحذير الناس من اتباع هذه الآراء لشذوذها وبيان الرأي الصواب الذي ينبغي عليهم اتباعه . 3ـ أن مرحلة التابعين وتابعيهم من أهم مراحل هذه الأمة حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم فضلهم فقال : ( «خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ...) ( ) ، فكان حقاً علينا إظهار فضلهم وسبقهم في العلم والفقه مع تقويم شذوذ بعض الآراء التي وردت إلينا عنهم . 4ـ عدم الوقوف على رسالة تتحدث عن هذه المسائل خاصة من الآراء الفقهية الشاذة لكبار التابعين وتابعيهم . 5ـ إبراز جهود الفقهاء في التصدي لكل ما هو شاذ ومخالف مع بيان الصواب بالأدلة الصحيحة المعتبرة . ثالثاً مشكلة الدراسة : وتبرز مشكلة الموضوع فيما يأتي : 1ـ هل معنى أن الرأي شاذ يلزم منه عدم الأخذ برأي صاحبه ؟ وهل يلزم ترك باقي آراءه الفقهية ؟ 2ـ وهل يكفي لإسقاط القول الشاذ إقامة الإجماع على خلافه ؟ أو تبيين المخالفة للنص الصريح ؟ 3ـ هل كل رأي شاذ يصلح أن يُطرح للنقاش ؟ ولماذا ؟ 4ـ لماذا تتابع العلماء بقولهم بل وفعلهم على تبيين الشذوذات والهفوات ؟ 5 ـ هل يجوز الفتيا والعمل بالقول الشاذ ؟ وهل ذلك في كل الأحوال ؟ وما ضابط ذلك ؟ رابعاً الدراسات السابقة : 1ـ الأقوال الشاذة في بداية المجتهد لابن رشد جمعاً ودراسة ، للباحث / صالح بن على الشمراني ، عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى ـ ( رسالة ماجستير ) مكتبة دار المنهاج بالرياض ، بتاريخ 28/ 12/ 1423هـ. وفي هذا البحث تناول الباحث الأقوال الشاذة التي نص عليها ابن رشد على شذوذها في كتابه بداية المجتهد ، ووجه الاتفاق بينه و بين بحثي أن الموضوعين في الشذوذ ، وثمة مسائل ذكرها ابن رشد منسوبة لكبار التابعين . أما وجه الاختلاف ؛ فبحثي يختص بالأقوال الفقهية الشاذة المنسوبة لكبار التابعين وتابعيهم [300:11] هـ فقط ، كما أعتني بالتحقق من نسبة هذه الأقوال لقائليها . 2ـ الشذوذ في الآراء الفقهية ” دراسة نقدية ” ، للدكتور / عبد الله بن على بن عبدالله السديس ( رسالة دكتوراه ) ، جامعة الإمام محمد بن سعود ، كلية المعهد العالي للقضاء ، 1429 هـ ، 2008 م . هذه الرسالة بحث لمصطلح الشذوذ ، وليس بحثا تطبيقياً يستقرئ الباحث فيه الآراء الشاذة ويدرسها ، وإنما اكتفى الباحث بدراسة خمسة عشر رأياً من جميع أبواب الفقه : خمسة في العبادات ، وأربعة في المعاملات ، وثلاثة آراء فقط في فقه الأسرة ، وثلاثة في الجنايات ، وكلها للصحابة وبعض التابعين ( وهي قليلة جداً ) . بخلاف بحثي فهو متخصص في شذوذ كبار التابعين وتابعيهم كما مر ، وفيه ثلاثين مسألة فقهية مع الحكم عليها وبيان القول الصواب فيها . 3ـ الآراء المحكوم عليها بالشذوذ في الزكاة والصيام والحج ، للدكتور/ محمد بن عبدالله الطيار ( رسالة ماجستير ) ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، العام الجامعي 1430ـ1431 هـ . جمع صاحبها الأقوال الشاذة الخاصة بالزكاة والصيام والحج وقد قاربت الأقوال التي ذكرها المائة وليس فيها ما نسب لكبار التابعين [300:11] هـ إلا قليلا ، كما أن بحثي ذكر مسائل لم يتعرض لها . 4ـ الآراء المحكوم عليها بالشذوذ في الطهارة والصلاة جمعاً ودراسة ، للدكتور/ تركي بن سليمان بن صالح الخضيري ( رسالة دكتوراه ) ، الطبعة الأولى 1436هـ ـ 2015 م ، ذكر الباحث الأقوال الشاذة في بابي الطهارة والصلاة سواء أكانت منسوبة للصحابة أم للتابعين أم للعلماء المتقدمين ، كما أنه لم يحقق نسبة الأقوال لأصحابها ، ولم يذكر بعض المسائل التي فيها شذوذ والمتعلقة ببحثه . 5ـ الآراء الشاذة في الفقه الإسلامي بين الاعتبار والإنكار جمع ودراسة وتحليل ، محمد بن إبراهيم فايد ( رسالة دكتوراه ) كلية دار العلوم ، جامعة القاهرة ،2010م . فصل الحديث فيها عن أسباب الشذوذ بالرأي الفقهي ، وضوابط اعتبار الرأي الفقهي الشاذ والعمل به ، وتناول مسائل شاذة في الفقه بصفة عامة . 6ـ الآراء المحكوم عليها بالشذوذ في المعاملات وفقه الأسرة جمعاً ودراسة ، للدكتور/ عمر بن علي بن عبد الله السديس ( رسالة دكتوراه ) المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية (2010 م ) . تناول الباحث فيها الآراء المتعلقة بالمعاملات وفقه الأسرة فقط بصفة عامة ، وما ذكره من شذوذ كبار التابعين فهو قليل جدا بالنسبة لبقية الآراء التي ذكرها . 7ـ الأقوال الشاذة في مسائل المعاملات المالية مع التطبيق على المسائل المعاصرة في الشريعة الإسلامية دراسة أصولية فقهية مقارنة ، للباحث / حمود شافي محمد الفيدي ( رسالة ماجستير ) ، جامعة المنيا سنة 2012م . وهذه الرسالة تطبق على المسائل المعاصرة بينما بحثي يتكلم عن مسائل قديمة من زمن التابعين وتابعيهم وما زال طائفة يروجون لها في عصرنا ، كما أنها تقتصر على المعاملات وفقه الأسرة . 8 ـ الآراء الشاذة في أحكام الأسرة والمعاملات المالية في الفقه الإسلامي ، للباحث / ليد أحمد عكاشة ( رسالة دكتوراه ) ، كلية الحقوق ، سنة 2017 م . 9ـ الفوائد المستطابة في توجيه الأقوال الفقهية الشاذة المنسوبة للصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للدكتور / رمضان عبد المفيد ، إشراف أ . د / صابر مشالي ، كلية دار العلوم جامعة الفيوم سنة 2020 م . وهي رسالة دكتوراه مختصة في الأقوال الفقية الشاذة المنسوبة للصحابة ولم تحقق فيما نسب للتابعين ، ومع هذا فقد ذكرت في بحثي ثلاثين مسألة مختلفة ، وقد أجاد الباحث فيها وأفاد فجزاه الله خيرا والقائمين عليها ، وبذلك يتبين أن موضوع الدراسة ـــ محل البحث ـــ : ( الأقوال الفقهية الشاذة المنسوبة لكبار التابعين وتابعيهم من [300:11] هـ ) ، باستثناء الفقهاء السبعة ، كما مر ، لم يُسبق تناوله بهذه الحيثية في دراسة مستقلة . ـ فلم أذكر الآراء الفقهية الشاذة للفقهاء السبعة لقيام باحثة ( ) بالتسجيل في هذا الموضوع خاصة . خامساً منهج البحث والإجراءات المتبعة فيه: أ ـ تقوم هذه الدراسة على المنهج الوصفي التحليلي المقارن ، ويمكن تفصيل ذلك على النحو الآتي: 1ـ الوصفي ؛ وذلك من خلال مطالعة جملة من الكتب الفقهية ، خاصة التي تعنى بنقل الآراء المختلفة في المسألة الواحدة ، و قمت بجمع وحصر الأقوال التي حكم عليها الأئمة المعتبرون بالشذوذ وحصروها ، أو ظهر للباحث شذوذها ؛ فتحصل لي من ذلك – في بداية جمعي للمادة العلمية - أكثر من مائة وخمسين قولاً فاخترت منهم ثلاثين قولاً فقط ، ثم قمت بترتيـب تلك الآراء الشاذة على كتب وأبواب الفقه المعروفة ، من أول أبواب الفقه إلى آخرها في سجل خصصته لذلك . |