Search In this Thesis
   Search In this Thesis  
العنوان
اتجاهات السرد القصصي في مصر
في العقد الأخير من القرن العشرين
/
المؤلف
الحناوي، دعاء متولي محمد متولي .
هيئة الاعداد
باحث / دعاء متولي محمد متولي الحناوي
مشرف / محمود إبراهيم محمد الضبع
مشرف / مروة فوزى محمد
مشرف / محمد بريري
الموضوع
القصص.
تاريخ النشر
2022.
عدد الصفحات
324ص. ؛
اللغة
العربية
الدرجة
الدكتوراه
التخصص
الآداب والعلوم الإنسانية (متفرقات)
الناشر
تاريخ الإجازة
19/4/2022
مكان الإجازة
جامعة قناة السويس - كلية الاداب - اللغة العربية وادابها
الفهرس
يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام

from 257

from 257

المستخلص

عند التعامل مع فكرة ”الأجيال الأدبية” تختلف التعريفات حول مفهوم الجيل، لأن فكرة التقسيم في حد ذاتها تمثل جدلا حول المعايير والقوانين التي على أساسها يتم التصنيف، فالجيل يحمل في طياته معنى ينطوي على التغيير مع التعاقب والامتداد، كما يتضمن الخصوصية والتمايز عما سبقه أو لحقه في المجال المطروح، وإلا لما لزم التقسيم والتصنيف.
الجيل الأدبي إذن ينطوي على اتجاهات مغايرة، أو أفكار متجددة، أو وعي متمرد على السائد والقديم يستدعيالأخذ في الاعتبار، أو تجريب يعي قوانينه ومنطقه الخاص، حتى لو كان من قوانينه ألا يتقيد بقانون، بالإضافة إلى فكرة التحديث الطبيعي الذي يفرض نفسه على كل مستويات الحياة، وإلا فالجمود قد يعد ثباتا وتخلفا، فالثبات أو التكرار حتى لو كان لشكل جمالي واحد مع الوقت قد يشكل عقما وجمودا.
وتبدأ إرهاصات الجيل أو الاتجاه بغرس بذور تجريبية والتي من المفترض ألا تكون نتائجها فورية- إلا في حالات شاذة من المؤثرات الفجائية العميقة مثل: الكوارث الطبيعية أو الأمراض أو الحروب ونتائجها وخاصة في حال الهزيمة- وهو ما حدث للأدب وبخاصة السرد في مصر وما تعرض له من تحولات على مستوى الشكل والمضمون بعد نكسة 1967- هذه التحولات لا تؤخذ على محمل الجد ولا تعد بمثابة اتجاه إلا بعد أن تثبت قدرتها على الاستمرار والثبات والتأثير، وتتعدى مرحلة السمة الجزئية إلى الانتشار ومرحلة الظاهرة، والاتصاف بالخصوصية والجدة، وهذا ما حدث – ومازال يحدث- منذ ميلاد السرد، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو العالمي، فقد مر السرد بأشكاله باتجاهات وتحولات شكلت مراحل أو أجيالا لكل منها اتجاهاته وتمثلاته للسرد والخطاب فنيا وجماليا، ويعد التأريخ لاتجاهات السرد القصصي هو التاريخ المصري الحقيقي، بكل جوانبه ومستوياته وتشكلاته، والكاشف عن جوهر مفارقات هذا التاريخ المعلن أو المسكوت عنه، وصراعاته وأزماته والتباساته في صورتها الإبداعية والجمالية.
إن دراسة السرد من منطلق الجيل الزمني، هو بمثابة دراسة لتطور الأديب أو المبدع على المستوى الفردي أيضا، فكثير من الأدباء من المفترض أنهم عايشوا فترات وحقب زمنية ذات تأثيرات وتحولات مختلفة، ويعد نجيب محفوظ من النماذج النادرة والنموذجية لمثل هذا النوع من الدراسة، فنجيب محفوظ كانت له تجربة خاصة في المرور بأكثر من جيل أدبي زمنيا وفنيا، ورغم ذلك لا يمكن حصره في واحدة منها، لأنه ممن شكل هذه الاتجاهات ومنحها أبعادها الجمالية والفنية من ناحية، ومن ناحية أخرى لامتداد مشروعه الأدبي من الثلاثينيات وحتى التسعينيات دون توقف عن الإنتاج والكتابة الإبداعية، فكان نموذجا عابرا للأجيال والاتجاهات بأي معيار زمني أو موضوعي كان، وكما قال روجر آلان: ”على يديه هو بالذات تحققت الصلة بين الرواية كنمط أدبي، وبين اللحظة التاريخية”( ).
وإطلاق مصطلح من قبيل: (جيل التسعينيات أو جيل الستينات) يستدعي بالضرورة أسسا زمنية للدراسة والبحث، والاستنادإلى معيار العمر أوتاريخ النشر أو التقسيم على أسس زمنية بحتة، وهي تعد بمثابة معايير شكلية لاتخاذها مرتكزا بشكل منهجي، ولذلك نحتاج بالإضافة إلى الحدود الزمنية المصطنعة معاييرا وأصولا موضوعية واضحة ومحددة، لتشكل منطلقا منهجيا للتعامل مع فكرة الجيل، هذه المعايير الموضوعية تتخذ من النصوص السردية ذاتها مرتكزا، لتبحث في التحولات والتجريب الذي أصاب السرد ومنحه اتجاهات مغايرة عما سبقها، لتصير مستحقة لإطلاق مصطلح ”الجيل الأدبي” عليها، وإلا فإنها تكون محسوبة على ما سبقها من أجيال واتجاهات، وبالتالي لا تشكل محورا للدراسة والبحث وأصبحت من قبيل التكرار الذي لا قيمة له، فالجيل في إحدي تعريفاته أنه: ”جماعة أو جماعات وضعت لنفسها أسسا ومعايير- وإن لم تلتزم بها حرفيا- واتخذت لها مسميات – دالة أو غير دالة – وكرست لذواتها سياسيا بما يشى للأجيال التالية بتشكل ملامح عامة واتفاقات جمالية وسمات خاصة بالنوع الأدبي على نحو ما تدل عليه ملامح الأجيال”( ).
والتعامل مع الأدب والفن يكون من منطلق المعايير الجمالية والفنية، وإن كان التقسيم على أساس صارم يحتكم للزمن، مثل: ”جيل السبعينيات” أو ”جيل التسعينيات” فذلك فقط من قبيل الضرورة البحثية والتي تستوعب المعايير الموضوعية والجمالية من تباين الرؤية والتميز والاختلاف الجمالي، لأن مفهوم الجيل ينطوي على التطورات والتحولات التي تعرض لها السرد القصصي في فترة زمنية ما بناء على تأثيرات اجتماعية وثقافية وسياسية وفكرية وكل مناحي الحياة التي لا تتوقف عن التغيير،والتي تحتاج إلى فترة زمنية ليست بالقصيرة لتتضح، والعقد الزمني قد يكون كافيا لظهور واندثار وتحول وتغيير وثبات في كافة المجالات وليس الأدب فقط.
وتكمن أهمية هذا العقد (التسعينيات)، والذي يمثل نهاية قرن وبداية آخر، في مرحلة زمنية محورية تتراكم فيها المؤثرات داخل الإنسان وخارجه، من متغيرات تكنولوجية وثقافية وفكرية وعلمية وفلسفية، والتي لحقت بالبنية الاجتماعية ذاتها، وما يرتبط بها من بنية القيم والتقاليد والهوية، وهو ما يجعل هذا العقد بداية التأسيس لوعي جديد غير منقطع عن القديم، وإن جاء مغايرا له في الخطاب والتقنيات وآليات الإنتاج والتلقي؛ ودراسته تصل الدراسات التي اهتمت بما قبله (أي التسعينيات) بما بعده، وليكتمل الخط الزمني في تتبع السرد، والتغيرات التي طرأت عليه، في قراءة بانورامية لبعض النصوص والتجارب التي يمكن أن يتم اتخاذها بوصفها النماذج الدالة والفارقة في هذه الفترة، خاصة أن بعض كتاب هذا العقد لم تكن لهم الفرصة ذاتها- لا على المستوى الأكاديمي ولا الثقافي- من الشهرة والانتشار والتقدير الكافي، فهي بمثابة قراءة للمشهد السردي في التسعينيات، ورصد شخصية الجيل الأدبي والحركة الثقافية ككل؛ لتشكل خلفية متماسكة للوعي بالماضي واستشراف المستقبل.
والسرد منذ بداياته في مصر وحتى العقد الأخير من القرن العشرين مر بالكثير من الاتجاهات والتحولات، والتي أسهمت الكثير من الأسباب في ظهورها وتوجيهها، منها ما يعود إلى المتلقي ومنها ما يعود إلى المبدع، فالقارئ يمثل طرفا رئيسيا في العملية السردية، لأنه الطرف الثاني من الرسالة، وذلك في حال اعتبرنا أن النص السردي هو رسالة من الكاتب إلى متلقي ما في مكان ما، وهي رسالة تنطوي على الزمنية، وكذلك هي عابرة للزمن، ودائما ما كانت توجهات واحتياجات هذا المتلقي تتحكم بشكل كبير في اتجاهات السرد القصصي، ومحفزا كبيرا في ظهور وبقاء بعض الاتجاهات السردية وزوال أخرى، والقارئ ذاته في تغير دائم، فالقارئ في كل مرحلة تتغير ذائقته واهتماماته ووعيه بالسرد وقيمته، ويتغير تأثره به أمام الكثير من المستجدات التي تنافس السرد في الاستحواذ على اهتمام القارئ وتقديره.
ومستوى التعليم والثقافة في وطن ما من العوامل الأساسية التي تتحكم في ذائقة المتلقي، وكذلك العمر والطبقة والعصر والأيديولوجيات، ومع تدني هذه العوامل يواجه التجريب والاتجاهات الجديدة عنتا ومقاومة، ”وإذا تأملنا كل اتجاه من اتجاهات الأدب فى مختلف أطوار التاريخ نجد أنه يشرح معتقدات طبقة اجتماعية من طبقات المجتمع أو فئة من فئاته، ويفسر مفهومها للواقع ويعبر عن مزاجها كما أنه ينمو بنموها ويزدهر بازدهارها ثم يضمحل باضمحلالها”( ). وهناك بعض الاتجاهات التي تقف عند حد شريحة خاصة من القراء والنقاد لا تتعداهم، ولا يعود هذا فقط إلى نوعية القارئ، ولكن قد يكون السبب هو إغراق هذه الاتجاهات في التجريب دون ضوابط أو جماليات فنية حقيقية.
أما المبدع فهو محاط بالعديد من العوامل والمتغيرات التي تؤثر فيه إنتاجه للنص السردي، فإلى جانب السمات الشخصية والمزاجية والثقافية والأيديولوجية، والتي يتساوي فيها القارئ والكاتب، وإن كان الكاتب أكثر حساسية وتأثرا ووعيا، فهناك المتغيرات الخارجية التي تخص البيئة والعصر، والتي تفرض عليه أحيانا اتجاهات معينة، فمثلا الاتجاه إلى الرمزية في الرواية العربية لم يكن هدفا في ذاته بقدر ما كان نتيجة أفرزتها نظم الحكم والرقابة التي تقيد التعبير بكافة أشكاله عن الأيديولوجيات السياسية أو الفكرية أو العقيدية، كما لجأ الكاتب أيضا إلى الرواية التاريخية في مرحلة ما إلى القناع والإسقاط والتمويه، بغرض التعرض لقضايا معاصرة لا يمكن التعرض لها بشكل مباشر.
وأما فيما يخصالمتغيرات العامة والخارجة عن القارئ والمتلقي، وتفرض حضورها الدائم والمتغير باستمرار على الإبداع الأدبي وغير الأدبي،فإلى جانب المتغيرات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والتاريخية والأيديولوجية داخل منظومة جغرافية لدولة ما، فهناك التأثيرات العالمية والاكتشافاتالعلمية والنظريات الفلسفية والفنية والسينمائية، وكذلك التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل والتي لا تتوقف عن الجديد كل يوم،فكان مما أثر على السرد في التسعينيات نظريات حديثة حول علم النفس أو علم الاجتماع أو حتى في تطور النوع البشرى، فعلى سبيل المثال، كان مما أثر في تغير مجرى المذاهب الأدبية وبالتالي السرد واتجاهاته: ”نظرية دارون، وعلم النفس التحليلي على يد فرويد وبرجسون ويونج ووليم جيمس، ونظرية بلانك، ونظرية النسبية، والمستحدثات السنيمائية، من تحرك للصور، والتتابع الزمكانى، والتحكم في الأبعاد الزمانية بطريقة العرض البطيء أو السريع، والوقت السيكولوجي والزمن الميكانيكي”( ).
والاتجاهات الأدبية لا تظهر فجأة، ولكنها تبدأ وتنمو ببطء شديد لتتحول فيما بعد إلى اتجاه، وأى نوع من أنواع الاتجاهات سواء كان اتجاها سياسيا أو أدبيا أو فنيا أو حتى اتجاها في الأزياء، فهو يعبر عن انتشار وتكرار وقبول، ويتحكم في هذا الكثير من العوامل التي قد تساعد على استمرار الاتجاه أو تقاومه، ”فالاتجاه ميل عام مكتسب ما يكاد يثبت حتى يمضي مؤثرا فى الدوافع النوعية وموجها لسلوك الأفراد أو الفرد واستجابته للأشياء والمواقف المختلطة، فهو إذن ديناميكي عام، ويتكون الاتجاه نتيجة لتأثر الفرد بمثيرات مختلفة، تنبعث من اتصاله بالبيئة المادية والاجتماعية ومعايير الثقافة، ويمر بمرحلتي الإدراك والنمو، ثم لا يلبث أن يثبت ليكتسب مقوماته وأركانه وذاتيته، ومن عوامل وشروط تكوين الاتجاه التكامل، عندما تتكامل الخبرات الفردية المتشابهة فى وحدة كلية تنحو إلى تعميم هذه الخبرات، وتصبح هذه الوحدة إطارا ومقياسا تصدر عنه أحكامنا واستجابتنا للمواقف الشبيهة، ويؤدي تعميم الخبرات الفردية المتتالية إلى تحديد الاتجاه تحديدا واضحا قويا، وهذا خليق بأن ينحو بالاتجاه نحو النضج والاكتمال والنمو، فيتميز عن بقية الاتجاهات الأخرى ويكتسب ذاتيته التي تؤكد معالمه ويعتبر التقليد عاملا قويا فى تكوين الاتجاهات بل إنه أهم العوامل وأسبقها”( )، ويصعب تكون اتجاه خالص أو خال من التداخل باتجاهات أخرى، سواء منها الموضوعية التي تخص المضمون، أو الشكلية التي تخص التقنيات والبنية، وهذا التداخل قد يشكل اتجاهات جديدة.
والاتجاهات السردية في ظهورها وتطورها اتخذت مسميات مختلفة، بعد أن انقسمت إلى أكثر من اتجاه فرعي، فالرومانسية مثلا انقسمت إلى الرومانسية الاجتماعية والرومانسية التاريخية والرومانسية التحليلية، وكذلك الواقعية التي اتخذت مسميات عدة: الواقعية النقدية والواقعية الاشتراكية والواقعية المتفائلة والواقعية السحرية، وكل منها يعبر عن مرحلة سياسية واجتماعية وفكرية ما، هذه المسميات تكون بالإحالة إلى الموضوع والقضايا المتناولة، أو بالإحالة إلى طرق السرد والمعالجة والتقنيات، وكلها تنطلق من الواقع وتعكس تحولاته وتحولات السرد الذي لا يقف عند اتجاه واحد.
ويمكن تقسيم الاتجاهات السردية بشكل عام إلى: اتجاهات ثابتة أو ممتدة، واتجاهات متغيرة أو تجريبية. أما الاتجاهات الممتدة فهي الاتجاهات التي استمرت، والتي لم يحدث معها قطيعة أو تجميد، ولم تتعرض للتهميش بظهور اتجاهات جديدة، حيث حافظ