الفهرس | يوجد فقط 14 صفحة متاحة للعرض العام |
المستخلص إن قضية العبادة الخالصة لله بالظاهر والباطن هي المطلوبة من الإنسان لتحقيق معنى الإنسانية المنوط بها تشريفه، حيث إن الحق سبحانه لا يريد قوالبا تخضع، وإنما يريد قلوبا تخشع. بل إن كل ما يفعله الإنسان من عبادات بالأعمال الظاهرة لا تحقق المقصود منها بدون أعمال القلوب. فالمتتبع الجيد لفقه الإمام الغزالى -رحمهُ الله- سيجد تقديم مشروع جديد وخطة جديدة، في الجانب الفقهي الشرعي، فهو يرى أن كتب الفقه المذهبية جافة الطبع، وفيها من المسائل الافتراضية التي لم تقع بعد، والآراء التي لسنا بحاجة إليها، فكل من يقرأ هذه الكتب لا يزداد إيماناً بقراءتها، بل تزيده تعقيداً وجفوة واضطراباً، لأنها مليئة بمسائل جزئية تفصيلية يحتار الإنسان أحياناً في بعض زواياها، فجاء الغزالي -رحمهُ الله- ليغير هذا المسار، وهذا المنهج الذي سلكه الفقهاء المقلدون. فكتب الشيخ لم تقتصر على معرفة الحلال والحرام فقط، بل جمع فيه بين ظواهر الأحكام، ونزع إلى سرائر دقت عن الأفهام. ويذكر أستاذنا الدكتور / إبراهيم ياسين أن كل ما يفعله العبد فى علاقته بمعبوده ما هى إلا ترجمة لهذا الشعور الباطنى الذى يربط العبد بربه، فالدين والأخلاق لا ينفصلان. ومن هنا نتساءل إلى أي مدى تربط القيم الروحية العبادات بالأخلاق في تصور الغزالي -رحمهُ الله-؟ وهل كانت العلاقة طردية بين المعرفة والعبادات في تصوره أم لا؟ لأننا بصدد إمام صاحب عبقرية فذَّة أنبتتها تربة الحضارة الإسلامية الخصبة، التى طالما هيأت لأبناء الفقراء والكادحين أن يرتقوا شوامخ القمم بمواهبهم وكفاحهم، وأن يفرضوا أنفسهم على الزمن، ويصغى لهم سمع التاريخ. فمن كان يظن أن ذلك الصبى الذى كان يكسب أبوه عيشه من مغزله، والذى لم يدع له من المال ما يكفيه مدة الصبا، سيصبح يوماً حجة الإسلام، وعلم الأعلام، وإن الشرق والغرب سينتفعان به ويخلدان أثره؟ثم إن الإمام الغزالى -رحمه الله- بالرغم من أنه كان فيلسوفاً متكلماً وهذا ما شاع عنه إلا أننا وجدناه فقيهاً متصوفاً اعتنى بالفقه اعتناءً كبيراً ولم يكتفِ الإمام الغزالى -رحمه الله- بالفلسفة والفقه فقط بل كان متصوفاً زاهداً ورعاً تورّع عن الدنيا وما فيها. |